الاسرة و المجتمع

**أنا كده محترف**

تنهدت فى ضيق وأنا أمسح حبات العرق عن جبيني
و أتناول المفتاح من حقيبتي وأدسه بالباب لأدلف إلى بيتنا
بعد ساعتين طوال قضيتهما بالمواصلات
فى طريق عودتي من الجامعة ..
بعد يوم طويل ومرهق من المحاضرات
التي بدت بلا نهاية ..

وبمجرد أن دخلت وجدت أمي تقف باستقبالي فى لهفة
ووجهها مضيء فى سعادة وعلى شفتيها ابتسامة واسعة ..
خفق قلبي فى شدة ..
كنت أعرف معنى هذه الابتسامة جيدًا..
لكنى ابتسمت لها بدوري وأنا اسألها في شقاوة رغم تعبي الواضح ..
ما بال القمر سعيدًا اليوم ؟

فأقتربت مني واحتضنتني بقوة وهي تقول في انفعال ..
مبارك حبيبتي اليوم جاء عريس لخطبتك .. ( كان نفس السيناريو الذى توقعته بمجرد أن وقع بصري عليها .. كأنه مشهد لا ينفك يعاد باستمرار راسمًا أهم منحنى بدراما حياتي ) ..

فضحكت بصوت عالي قائلة وأنا أجلس فى إرهاق على الأريكة ..
ومن هو هذا الشجاع ؟ .. تابعت أمي فى سرعة : شاب رائع يا نجوى ما كنت أحلم لك بأفضل منه ..
ابن طنط أمينة زميلتي فى العمل .. تعرفينها طبعا .. ابنها مهندس
وعائد لتوه من الخارج و ..

لمحت فى عيني نظرة ما .. فبادرتني فى سرعة وبلهجة حازمة بعض الشيء .. لكنه لن يعاود السفر ثانية سيستقر هنا بإذن الله .. وسيتزوج فى نفس بلدتنا أبوه أشترى له مسكنا قريبًا من منزلهم
وصفقت بيديها فى سعادة وهي تقول أي يبعد عنا شارعين فقط ..أتتصورين !

وقبل أن أفتح فمي .. استطردت فى حماس .. وأيضا سنه مناسب
ومظهرهما شاء الله أمه أرتني صورة له يبدو طيبًا خلوقًا .. صدقيني يا بنتي لايوجد به ما يعيب أبداً .. أنا واثقة أنه سيلاقي إعجابك هذه المرة ..
حتى أبوك متحمس له كثيرًا .. أمه أخذت منا موعدًا
وسيجيئون لزيارتنا بعد غد ..

ضحكت مرة ثانية من حماسها الشديد ..
كانت أمي مثل كل أم تتمنى اليوم الذى تفرح فيه بابنتها
وهى مستقرة فى بيت زوجها .. الذي يملأه عليهم
أطفال صغار ينادونها .. جدتي

ولا سيما أنني الآن بالسنة الأخيرة بالجامعة
أي أصبحت جاهزة تمامًا للخطبة والزواج ..

قبلتها وأنا أبتسم لها فى حنان .. ربنا يقدم ما فيه الخير ..

ونهضت قائلة.. سأذهب الآن لأستريح قليلاً قبل الغداء يا أم العروس
يجب أن أحافظ على نضارة وجهي حتى لا يفر العريس وأهله ..

فابتهجت كثيرًا وأطلقت ضحكة صافية
وسمعتها تتمتم بدعاء طويل ..
لم يفارق مسامعي حتى دخلت غرفتي

أغلقت الباب خلفى فى وجوم ..
ونزعت ابتسامتي وألقيتها أرضا
مع ملابسي .. أرتديت منامتي وجلست بفراشي
عاقدة ذراعي خلف رأسي .. والأفكار تعصف بي فى جنون ..

المعاناة تبدأ من جديد ..

منذ دخلت مرحلة الجامعة بدأ الخطاب يتوافدون على بيتنا
خصوصا وأبي له سمعته الطيبة ومكانته المعروفة فى نطاق بلدتنا ..
كما أنني بشهادة الجميع وكما يقولون عني .. فتاة جميلة وعلى خلق

وكنت أجيد دوري تماما كأى فتاة أتى من يطلبها
فبالبداية كنت أظهر السعادة واللهفة لرؤية العريس المنتظر ..
ومن ثم تبدأ أسباب الرفض تلوح بالأفق
ولم أكن أحمل هما حتى السنتين الأخيرتين ..

فقد كنت تارة أتعلل بالدراسة وأني لا أريد ما يشغلنى عنها .. خصوصا وكليتي .. كلية عملية وصعبة
حتى رغم استعداد بعض من تقدموا لى بإنتظاري حتى أنهى دراستي ..

وتارة أتعلل بأن العريس أكبر مني وليس سنه مناسبا .. أو أنه يبدو بخيلا .. أو أى عيب ألتقطه بعيني صقر وأضخمه فى شدة
ليصنع كلمة لا كبيرة ..

ولكن منذ أصبحت بالسنة الأخيرة والوضع أخذ منحنى أكثر جدية ..
عندما تقدم لى شابا من بلدتنا يعرفه أبي جيدا هو وعائلته
وقال أنه من أصل طيب وأى أب سيسعد به زوجا لابنته ..

وكنت أستمع لأبى وأنا فى اضطراب شديد سيطرت عليه ملامحي بقوة
إلى أن أخبرني أنه ينوي الزواج والسفر للعمل بالخارج
بوظيفة جيدة للغاية ..

فتنفست الصعداء وأخبرتهم بلهجة قاطعة
أني مستحيل أن أتزوج وأتركهم وأسافر إلى بلد غريب لا أعرف به أحدًا ورغم محاولاتهم المستميتة لإقناعي إلا أني لعبت ببراعة
على وتر مشاعرهم تجاهى وأنهم أيضا لايودون مفارقتي
وخصوصا وأنا ابنتهم الوحيدة فاستسلم الجميع لرغبتي وتم الرفض ..

إلا أن الوضع زاد سوءاً وبات مثيراً للشك عندما
رفضت آخر عريس تقدم لي ..
رغم أن العائلة بأكملها كانت تراه مناسبا
لكنى اجتهدت بكل قوتي لأصطنع أى سبب يبرر رفضي له ..

فتعللت بأني لم أسترح لأسرته بتاتاً
وأنهم ليسوا بنفس طيبة أبي وأمي وأخذت أحكي لهم
عن مشاكل صديقاتي المتزوجات وطلاقهن
بسبب أهل أزواجهن ..كنت أتحدث وأنا أدرك تماما سخف موقفي ..
لكنى حاولت الثبات أمامهم بكل صلابة

لكن أمي ثارت هذه المرة وشاركها أبي الثورة ..
وقال لى بعصبية .. أنني بهذه الطريقة لن أتزوج أبداً .. فلا أحد يعجني
وسألني فى غضب عن سر هذا الكبر الذى لم يربيني عليه ..

فلجأت إلى آخر سلاح لدى وأخذت أبكي بكاءً شديداً
وأنا أقول لهم ..أنهم لا يحبونني ولا يريدون لي السعادة
ويريدون التخلص مني ..

فلم يجدوا بداً من السكوت على مضض .. والدعاء لي

كان هذا سادس أو سابع عريس أرفضه .. هذا العريس أيضاً
سيكون مصيره الرفض !

لماذا أرفض ؟ .. ربما يكون السبب الوحيد الذى يمنع أي فتاة
على وجه الأرض من الزواج ..

وهو أنني .. متزوجة بالفعل !

نعم .. متزوجة .. وبعد غد سيكون قد مر تقريبا
على زواجي ثلاثة سنوات ..

هل يستطيع أحد أن يصدق ذلك ؟
هل يتخيل أحد أن هذا الوجه الملائكي يخفى سراً رهيباً كهذا ؟

كيف كانت البداية ..؟؟

ربما من طول تعايشي مع الأمر لم أعد أفكر كيف بدأ كل شيء ..
لكنها بين حين وآخر تعود إلى ذهني على هيئة ومضات خاطفة ..
تسطع فى توالي أمام عيني كشريط سينمائى ..
كان هو البطل فى كل ومضة منها ..

مقدمات وأحداث تمر بسرعة البرق
لتقود فى النهاية إلى تلك اللحظة
وأنا أطالع بين يدي .. عقد زواجي العرفى
وسعادة الدنيا تملأني ..

الحب لا يستطيع أن يؤجله أحد ..
فالسعادة حق لكل من يحب .. كم هو سهل أن يقتنع المرء بشئ حين يكون راغباً بشدة فى هذا الشئ .. الأحلام منثورة أمامي والطريق تلوح بكل وضوح فى نهايته .. أجمل نهاية لأجمل قصة حب ..

كنت دائماً أملك هذا الإحساس بأني مختلفة عن الآخرين ..
هو أيضا كنت أراه مختلفاً عن غيره .. لذا كنت واثقة
بأن النهاية ستكون أيضا مختلفة
عن العديد من القصص التى طالما سمعتها من هنا وهناك
فلا مكان لأي خلل يعترض حلمنا الجميل
الذى خططنا له بكل فرحة وحب وأمل ..

بكل يوم كنت أشعر بسعادة جمة وبقلبي ينبض بالحب أكثر وأكثر ..
كنت ممتنة لوجوده فى حياتي .. ولم أكن أتخيلها بدونه ..
لم يشعرني يوما بأي ندم على هذا القرار ..

كانت تفصلني عنه سنة دراسية
فى العام الماضى كان تخرجه ..
وكان نجاحه وبإمتياز ..أتاني يومها واجما على غير عادته
فيبدو أن فرصة لا تعوض للسفر والعمل بوظيفة خيالية ..
جاءت على غير توقع .. برسالة أرسلها له خاله

تتمهل هنا المشاهد أمام عينى ..
لترسم لحظات وداع مؤلمة لم أكن وضعتها بمخططى السعيد ..
على تأكيد منه بأن ذلك لأجلنا .. حتى يعود كما الفارس
ليخطفنى على صهوة جواده الأبيض من بيت والدي ..
وأنه سيظل على عهده معى ..
وانه مستحيل أن يفرط يوماً بزوجته الحبيبة ..

مر عام .. ومازلت أنتظره وكلي ثقة بأنه سيعود من أجلي ..
وإن اعترت هذه الثقة نوبات من الاختناق والفزع أصحو
على إثرها من نومي باكية ..

لم أفكر مطلقاً بأن أخبر أي أحد من أسرتي ..
فمواجهتهم ليس أمراً وارداً
فلن أقوى أبدا على مثل هذه المواجهة ..!

أخذت قراراً .. وكلي ثقة منه
وراهنت بأن النهاية ستكون كما أريد ..
ووضعت حياتي ..
وكل ما أملك فى هذا الرهان
وتخطيت حدوداً لا يمكن الرجوع عنها ..

ولكن هل يمكن أن تؤدي البدايات الخاطئة إلى نهاية سعيدة يوماً ما ؟
هل ؟

علامة استفهام كبيرة تومض أمام عيني ..
فأدير وجهي وأتقلب بفراشي علنى أجد الإجابة .

....

تمت.

القصة مستوحاة من أحداث حقيقية لواقع مرير فى ظل [ الجامعات المختلطة ]
التى يدور خلف أسوارها الكثير .. والكثير
عافانا الله .. وستر بنات ونساء المسلمين
..
تعليقاتكن تهمني وتسعدني ..
ودي لكن ~

الموضوع الاصلي : || شيء [ في ] •• حياتے || ~ قصة قصيرة ~... ترويهآ لتكون عبرة المصدر : شبكة انا كده الكاتب: addie

توقيــــــع addie